ما أكثر المشاكل في حياتنا.. التلوث.. العشوائية.. الفوضى.. البطالة.. تأخُّر سن الزواج.. التحرش.. قلة الفلوس.. طابور العيش.. إنما المشكلة دي جديدة من نوعها وغريبة في طرازها.. إنها مشكلة.. الكوبري!
في إحدى حلقات (البيت بيتك) قدَّم محمود سعد هذه المشكلة الخطيرة الفظيعة المريعة التي تسبب فيها ذلك الكوبري اللعين! الحكاية ببساطة أن طفلة كانت تعاني من ضيق في التنفس وحالتها خطيرة، وكان لا بد من استدعاء سيارة إسعاف لها على أن يكون فيها جهاز تنفس صناعي، وكان طبيعياً أن يتصل أهلها بالإسعاف ليتم نقلها على وجه السرعة إلى أقرب مستشفى، لكن غير الطبيعي ما حدث مع الإسعاف!
اتصل والد الطفلة بالإسعاف، والحمد لله كانت العربة موجودة وبها جهاز التنفس المطلوب لكنها عربة إسعاف القاهرة، ولما كانت الطفلة تسكن في المهندسين فهي تابعة لمحافظة الجيزة، لذا كان على والدها الاتصال بإسعاف الجيزة! وبالفعل قام الوالد بالاتصال بهم ليكون الرد أنه لا توجد عربة إسعاف تابعة لمحافظة الجيزة مزودة بجهاز التنفس الصناعي.. طيب إيه الحل؟!
لا يوجد حل؛ لأن جميع عربات إسعاف محافظة الجيزة لا يوجد بها أجهزة تنفس صناعي، وعربات إسعاف محافظة القاهرة موجود بها الجهاز لكن غير مسموح لها بدخول شوارع محافظة الجيزة رغم إن الفاصل بين الاثنين.. كوبري!
حاول والد الطفلة الاتصال بأحد المسئولين في وزارة الصحة لتدارك الأمر، لكن الأوان كان قد فات وكانت الطفلة قد توفيت بالفعل، والمشكلة أن عربات إسعاف القاهرة لا تستطيع عبور الكوبري!
قد يرى البعض المسألة طريفة من قبيل الكوميديا، وقد يراها البعض واحدةً من آلاف المشاكل التي تحاصرنا وعادي يعني! وقد تمصمص بعض النساء شفتيها حسرة ثم يبدأن الحديث عن موضوع آخر، لكن المشكلة ليست في وجود الكوبري ولا في وفاة الطفلة بهذه الصورة المأساوية لكن المشكلة الأكبر والتي قد تسبب في كوارث قادمة هي في وجود عقول تحكم نظام آلي بلا روح، نظام اخترعوه وطبقوه دون تفكير، وكانت النتيجة أن إسعاف القاهرة تحيل الأمر لإسعاف الجيزة وإسعاف الجيزة ماعندهاش إمكانيات ونحن نتحدث عن الجيزة والقاهرة، فما بالك بالمحافظات الأخرى في وجه بحري والصعيد! هل توجد عربات إسعاف أساساً؟ فضلاً عن وجود أجهزة تنفس صناعي بها؟!
ربما تكون المشكلة هي نقص في الموارد والإمكانيات وعجز في الموازنة التي لا تتيح لوزارة الصحة أن تحسن الخدمة وتزود عربات إسعاف الجيزة بأجهزة متطورة لكن المشكلة الأكبر هي في تلك العقول التي تعمل على تطبيق النظام ولا يهمها أن تموت طفلة لأن عربة إسعاف موجودة بالفعل لا يمكن أن تعبر كوبري لتنقذ حياة طفلة والأكيد أنه هناك غيرها الكثير.
وهل يعقل أصلا أن يتم تقديم الخدمة طبقاً للتوزيع الجغرافي؟ يعني لو حظك إنك ساكن في القاهرة يمكنك أن تحصل عليها، أما لو ساكن في الجيزة فأنت حظك نحس فالموت أحسن لك! وهل يعقل أن يوجد نظام يعمل بهذا الشكل؟ وأن يتسبب مسئولون في وفاة مواطنيهم حفاظاً على النظام الذي يمنع عربة من عبور كوبري، وإذا كانت الحال هكذا في مجرد عربة إسعاف فما بالك بباقي القوانين الموضوعة للعمل في باقي أجهزة الدولة والتي يتم اكتشافها بالصدفة!
هذه المرة راحت الطفلة ضحية، أما في المرة القادمة فإذا كانت المشكلة في الكوبري فالحل سهل وبسيط.. يهدوه! وقتها لن يوجد حد فاصل بين الجيزة والقاهرة، وربما تتمكن عربة إسعاف القاهرة من العبور وإنقاذ حياة مريض، لكن الأزمة ربما تكون المرة القادمة في شيء أخطر فماذا لو كان العائق هو النيل؟ هل وقتها يكون الحل أن يردموه؟!